في زمن الصراع على الكفاءات... أنتَ الرابح بالتأكيد!
بيل تايلور
فلتنسَ كلِّ العناوين المرعبة حول انهيار أسواق الأسهم، فلتمحُ من فكرك كلَّ الأحاديث عن خطر الكساد المحدق... قبل كلِّ شيء تذكر التالي:
إذا كنت شاباً – في همَّتك و طاقتك و ليس في عمرك و حسب- و إذا كنت ذكياً، و لديك مقدرةٌ مقبولة على تنمية الصلات و المعارف، فإنَّ الفترة الحالية هي مناسبةٌ عظيمةٌ لبذل الجهد و النجاح في تطوير مسيرتك المهنية.
أبشر! إنَّ أيامنا هذه هيَ أيام السوق الرائجة للرأسمال البشري. ألا ترى شركات التكنولوجية المتطورة تتصارع بشراسة لتجنيد المبرمجين المبتكرين، و أصحاب الأفكار الجديدة من المسوقين و اختصاصيي الإدارة ؟ ألا ترى كثيراً من هذه الشركات لا تتورَّع عن القرصنة و الاستيلاء على الموظفين القدامى و المواهب المتميزة العاملة لدى الشركات الأخرى!؟
أعزائي الشباب! إنّ أحدَ التحاليل المعتبَرةَ لمحاولة ( مايكروسوفت ) الأخيرة ضمَّ شركة ( ياهو ) إليها لا يركِّز على الآثار المحتملة لهذا الضمِّ على صعيد حصّة الشركة في سوق محرّكات البحث، بل هو يوجّه الاهتمام نحو علاقة هذا الضمّ بالتنافس على حصّة الأسد من سوق الكفاءات و المواهب.
و في الوقت ذاته نرى وكالات الإعلان الضخمةَ تركِّزُ على إغناء أنفسها بالمواهب و ضمِّ كل صور الإبداع حتى تتمكنَ من صنع حملات تسويق دائمة التجدد و تواكب العالم الحديث السريع التغير.
و بالإضافة إلى الملاحظتين السابقتين نشاهدُ أيضاً الموجة الجديدة من الشركات الناشئة startups.
بالنظر إلى الملاحظات السابقة يمكننا القول باختصار: إنَّ الشبان المهرةَ هم المستفيدون اليوم من حربٍ على المواهب لا تختلف في شراستها عن الحرب المشهودة لدى فورة الإنترنت في بداية التسعينات.
و كما تعلمون، انتهت تلك الحرب القديمة بمجزرة اقتصادية طالت كلاً من الشركات المسرِفة في التوسع و الشبانَ المتحمِّسين الذين انضموا إليها. و تعلماً من دروس الماضي فإننا اليوم نوجه النصح إلى كلا الطرفين آملين ألاَّ تنتهي فورة المواهب الحالية بانهيارٍ مفاجئ مشابهٍ لما آلت إليه فورة الإنترنت.
أولاً: إلى كل المدراء و مسؤولي الموارد البشرية و مؤسسي الشركات الناشئة:
أجل، إنَّ كلَّ الشركات المتفوقة هي بالفعل مهووسةٌ بملء صفوفها بنخبة المتميزين، و لكنَّ هذه الشركات الناجحة يؤمنون أيضاً بأنَّ تجنيد المتميزين في صفوفهم لا يعني القبول بنظامٍ من الرؤوس الكبيرة الفخورين بأنفسهم.
ترى هذه الشركاتُ أن معنى النجاح و التفوق هو في قيمة المرء و شدة الطلب عليه كما إنَّه في الأخلاقيات أيضاً، هو فيما يجعلُ الناس يقدمونَ أفضلَ حصيلة كما إنه فيما يكمنُ في صدور و عقول هؤلاء الناس من معارف. و إن شئت فلتسمِّ هذا بشخصية المنافسة، أو الارتباط بين هوية المؤسسة في السوق و بين معنى الهوية الذي يجلبه العاملون إلى مكان العمل. إن الربح في الحرب من أجل المواهب لا يعني تبذير رزم الامتيازات المغرية على كلِّ من تقابله من محترفي البرمجة أو خريجي الإدارة الذين يناطحون السحاب فخراً بأنفسهم.
ثانياً: إلى الشبان الطموحين:
إن عاملَ النجاح الحاسم هوَ عدمُ الانجذاب المطلق نحو أدسم العروض المادية، أو نحو أكثر الشركات بريقاً في فترة معينة ( أقول هذا بعد أن أذهلني العلمُ بأنَّ شركة جوجل تتلقَّى عشرين ألف طلب توظيف في الأسبوع، أي، أكثر من مليون طلب في السنة! )
عاملُ النجاح الحاسم في هذه الأوقات يا سادة هو توجيه الاهتمام نحو عملٍ تشعرُ حقاً بأنك تريد القيام به و في شركةٍ ذاتِ قيمةٍ حقيقية معتبرة. و لتحقيق هذا الهدف فإنَّ عليك أن تنحيَ جانباً طموحاتك و مطالبك على المدى القريب و تتعرَّفَ على قوة الطموح المتواضِع – أو الطماضُع humbition –
- قوة الطموح المتواضع:
ما هو هذا الطموح المتواضع humbition ؟ حسناً يا سيدي، إنه مصطلحٌ سمعته للمرة الأولى من جين هاربر الموظفة المحنكة ذات الخبرة التي تزيد عن ثلاثين عاماً لدى شركة IBM . تقول جين " الطموح المتواضع هو ذلك المزيج الدقيق من الطموح و التواضع الذي يدفع و يوجه أغلبَ القادة الناجحين. إنه الترياق المضاد للكبرياء المنفوخة التي يصاب بها كثيرٌ من نجوم الشركات "و أما عن نفسها و عن أمثالها من الناجحين و أهل التجربة فتقول هاربر " كلما عرفتُ أكثر، عرفتُ أكثر أن أمامي المزيد لأتعلَّمه".
أحدُ أهمِّ الأشياء التي تعرف عنها هاربر الكثير هو الموهبة. و عن تجربتها في ذلك نقول إنها كانت عنصراً رئيساً في برناج بيج بلو big blue في شركة IBM. كانت هاربر مسؤولةً عن التوصل إلى جعل IBM مكاناً جاذياً و بيئةً مثمرةً لعمل أصحاب الكفاءات المتميزة من الشبان المتفوقين. و أثمرَ تطبيق إستراتيجيتها (المعروفة باسم إكستريم بلو ) أحد أضخم و أكثر برامج التدريب المِراسي internship التي رأيتها عبقريةً و ثراءً بالمواهب. مجموعاتٌ من الشباب الأذكياء الطموحين يعيشون و يعملون متلاحمين في مقراتٍ متقاربة تحتَ ضغوطٍ فائقة الشدة، مركِّزين على مشاريع ذات إمكانيات مستقبلية هائلة.
بدأ برنامج إكستريم بلو بدايةً متواضعة ( بضعة مشاريع صيفية داخل أحد مخابر IBM ) لكنه اليوم ظاهرةٌ دائمة على مدار العام يمتد نشاطها في كلِّ أنحاء العالم مع نخبةٍ من العاملين الشبان في أربعة عشر موقعاً تتوزع في أمريكا و أوروبا و آسيا.
تقول هاربر: " يبدي أعضاء هذا البرنامج أقصى ما تتوقعه من الطموح و نفاد صبر الشباب... إنَّهم يريدون أن يعرفوا الآن ماذا سأصبح في المستقبل؟... هل سترى مشاريعي النور و متى؟... هل سأحدث فرقاً؟
ولكن! بمجرَّدِ دخولِ هؤلاء الشبان ميدان العمل في البرنامج فإنَّهم سيجدون أنفسهم محاطين بنظامٍ يركِّز على تماسك المجموعة و يقدمه على أيِّ مجدٍ و افتخارٍ شخصيين" .
بل إن هاربر و زملاءها أعدّوا دليلاً إرشادياً عنوانه ( المثابرة على نهج إكستريم Staying Extreme ) يعلِّم الشباب الأذكياء الواثقين و الفخورين بقدراتهم كيف ينبغي -وكيف لا ينبغي- إنجاز الأعمال، فيقول محذِّراً : " بعد أن تغادر البرنامج للانضمام إلى إحدى المجموعات في IMB - أو في غيرها، لا فرق- فإننا سنبقى نراقبك، و إذا رأيناك تسيء بتصرفك إلى سمعة البرنامج و تجعلنا نبدو و كأننا نفرِّخ نسخاً من المتعجرفين فإننا لن نتردد في اعتبار أنفسنا لم نركَ يوماً و لم نعرفك... كن صبوراً، كن قائداً و إياك أن تصغِّر أحداً سعياً وراء طموحاتك".
و تضيف هاربر ناصحةً شباب برنامجها: " لا تضع وقتك في نفخ نفسك... إنني أحثُّ الشباب على عدم القلق من حيازة التقدير و الاعتراف بقيمة أعمالهم العظيمة. إذا كان الشاب يقوم بخطواتٍ جريئة قيِّمة، و ينمّي علاقاتٍ حسنةً فإنَّ هذا هو ما يتيحُ له الكثير من فرص النجاح و النمو. لا تبدِّد طاقتك في القلق و السؤال هل يُلاحِظ أحدٌ أعمالي... إنها مُلاحظةٌ حتماً و لو لم تعرف أنت ذلك و لو لم تعرف من يلاحظها... ".
أعزائي الشباب الطموحين! إنَّ الأقلَّ من الطموح و الأكثرَ من " الطموح المتواضع" هو أمرٌ ينبغي اعتباره في عصرنا هذا... عصر الصفقات الضخمة و الحرب الضروس في سبيل الاستحواذ على المواهب.
---------------------------------------------
إضاءات في موضوع الموهبة و تحقيق الذات
• كلُّ إنسانٍ لديه موهبة أو مواهب... لكنَّ النادر هو الإقدام على المضي خلف الموهبة إلى الغابة المجهولة.... إيريكا يونغ
• الموهبة دون تنظيم هي أخطبوطٌ يرتدي أحذية تزلّج... لدينا الكثير من الحركات و الإمكانات لكن لا أحد يعرف إن كان هذا الكائن سيتجه إلى الأمام أم يتراجع إلى الخلف أم يدور في مكانه.... (جاكسون براون)
• إننا -نحن البشر- في سبيل إثبات تميزنا بموهبةٍ واحدة لا نملكها نهتمُّ اهتماماً شديداً يفوق اهتمامنا في إثبات الكثير من المواهب التي نملكها فعلاً. (مارك توين)
• ليس لدي موهبة خاصة. كلُّ ما في الأمر هو أنني أعشق البحث و السؤال. (ألبرت آينشتاين).
• لا تخفِ مواهبك! لقد خُلقت للاستخدام شأنها شأن الساعة الشمسية التي تصبح عديمة القيمة في الظل. (بينيامين فرانكلين).
• عندما يحين أجلي و أقف بين يدي خالقي فإنني أرجو ألاَّ تكونَ لديَّ ذرةٌ واحدةٌ متبقية من المواهب، و عندئذٍ أستطيع أن أقول بفخر: "يا إلهي لقد استعملتُ كلَّ ما وهبتني" (إيرما بومبيك).
• استخدم موهبتك مهما ظننتها متواضعة... فالغابة سيلفها الصمت إذا لم يغرد فيها أحدٌ سوى البلابل. هنري فان دايك
• الموهبةُ كالملح... عظيمةٌ جداً و متاحةٌ و رخيصة. ما يفرق الناجحين عن غيرهم هو الكثير من الاجتهاد. ستيفن كينغ
• إن إنسان هذا العصر يعرف سعرَ كل شيء... لكنه لا يكادُ يعرف قيمة أيّ شيء
أوسكار وايلد- الشاعر و الأديب المشهور الذي توفي عام 1900!