فى انتظار شروق الشمس
لم يكن يعلم أن الدنيا قد تضيق الى هذا الحد .. فتكون أضيق من سم الخياط .. الحلول كلها مبهمة .. النفق نهايته مظلمة .. ولكن يوجد بصيص أمل .. ولكن لا يدرى أين الطريق اليه .. لطالما أراد أن يكون أفضل .. ولكنه كأى انسان خلق ضعيفا .. ضعيف أمام استهتار المجتمع بالقيم والأخلاق ... ضعيف أمام اللامبالاة المسيطرة على جميع من حوله .. ضعيف أمام كلمة عادى التى يعلم أنها الحل أمام من يتنكب طريق المشاق.
سار فى الطريق وعلم كيفية الوصول ولكن تتقاذفه نفسه الى الدنيا وبهرجها ...لماذا أنا الوحيد وسط هذا الكم من الناس الذى يفكر بهذا الأسلوب ... هل لى أن أبدل عقلى ... ولكن الناس جميعهم راضين بعقولهم ساخطين على أرزاقهم.
لقد ظل فى الصمت سنوات - وان كان كثير الكلام ولكنه الكلام الذى يقال عنه انما رزقنا نعمة النطق لنوارى مكنونات صدورنا لا ان نظهرها -أسير للصمت لا يستطيع منه فكاكا .. كلما تكلم ولو بكلمات بسيطة - قليلة المبنى مبسوطة المعنى فهى من كلام النبوة اذن- تعبر عما بداخله وجد الردود التى تعيده الى الصمت سريعا... فلماذا اذن يتكلم فى الهواء .. حتى وصل الى الحالة التى قرر فيها ألا يتكلم ولو مع نفسه.
قرر أن يصمت حتى يجدها وهى وحدها ستستطيع أن تفك عقدة لسانه –لسان قلبه- .
من مجرد سماع الاسم قال هذه هى .. فنحن نتعرف على الاخرين على ثلاث مراحل أولاها الاسم ثانيها الصورة ثالثها الحقيقة .. ولكنها ضنت عليه بالثانية والثالثة.
تأكد احساسه من فراسته ومن المعلومات التى جمعها أنها هى ...
لم يبصرها بعينى رأسه ولكنه أبصرها بعين القلب - وهى أكثر ادراكا- ...
تردد كثيرا قبل أن يذهب هنالك خوفا أن يتأكد احساسه أنها هى ثم تحول بينهما الأيام ... وكذلك خوفا من أن يسبب لها أدنى ضيق.
عندما ذهب هنالك وجد المكان معبرا عن ساكنيه ... أقصد بالمكان الأشخاص الذين رآهم ...
الاحترام يخيم على المكان وهو ما صار عملة نادرة فى هذا الزمان ...
أراد أن يراها بعدما تمر عليها السنون - طالما لم يستطع رؤية ريعان الشباب - ... فاذا بها منهكة ... قد انهكتها تربية الأولاد ,والوقوف بجانب الأب...
خرج من هنالك متكلما قرر أن يبدأ الكلام مع نفسه فاذا به يسطر هذة الكلمات.
كان اذا أراد أن يصل الى أى أحد بعقله و فكره وجد صعوبة شديدة .. خاصة أنه كان يريد الاجابة من المستمع ألا تكون كلاما و لكن أسلوب حياة.
ليس الأمر حركات جوفاء ولا كلمات شوهاء وانما عقد القلب على ايمان وتوحيد لرب البريات – ليس أكثر من ذلك ولا أقل- .
ولكن هيهات فالأمر أصعب من أن يتخيل .... خاصة فى زمن تعظيم الحقائر وتحقير العظائم.
وكان احيانا يسأل نفسه هل تستطيع أن تترك الطريق وتعود ...تصير شاردا فى الفلوات ... تسأل لماذا خلقت ..ولماذا لا أصلى ...ولماذا أدخن .. - بالرغم من أنه لم يذهب يوما هنالك ولكنهم بكل سبيل موجودون - وهى أسئلة متكررة لكل من هنالك و ليس الخبر كالمعاينة .
ثم يسأل نفسه سؤالا اخر هل تستطيع أن تكون فلانا أو فلانا ممن هم على الطريق .... نعم هم أفضل منه ولا شك .... ولكن ظروفهم مختلفة .... وحياتهم مختلفة ... ولسنا قوالب تصب لتصير انسانا.
فماذا أكون – قال أكون أنا .... أنا الذى تخلص من الغرور, ولكنه يريد أن يكون أفضل من هذا وذاك.
والحل فيها نعم ...فكيف يصل اليها ...وهل هذا الحل يقينى أم أنه سراب .....
لم تقبل أن تجلس اليه ولا أن تسمع منه ...ولعل السبب فى ذلك ظنها أنه مثل من يكرههن هو ....ممن علمن شيئا ..وجهلن أشياء...ولا عجب فهن كثير ...وكذلك من هم مثلهن كثير..فكيف يعلمها أنه ليس من هذا الصنف من البشر وانه نوع اخر .. قد لدغ من جحور كثيرة مرات كثيرة ... وأخيرا تعلم ... تعلم كيف يتعامل مع الناس ويصبر على أذاهم ... وكيف يتقى شرهم .... تعلم كيف يعطى دون أن يأخذ شيئا .. انها متعة العطاء .. تعلم الكثير والكثير ... تعلم كيف يحترم عقول الناس ويقدرها .. تعلم الصدق فى حبهم فى زمن الكذب.. تعلم كيف يتحمل المسئولية التى يتملص منها الكثير..
تعلم كيف يفكر ... تعلم كيف يتكلم ... ومتى يصمت ... كيف ينسى .. وكيف يتذكر .. كيف يقرأ..وماذا يقرأ ... وكيف يكتب ...تعلم كيف يؤدى واجباته ولا يتنازل عن حقوقه.... تعلم كيف يحب ... وكيف يعبر عن حبه ...
تعلم ألا يكون ساذجا الى الدرجة التى يمشى فيها وراء الأيادى الملوحة بالحلوى ....
لا أتكلم عنه كثيرا كنوع من الغرور ولكن كما قال يوسف عليه السلام انى حفيظ عليم .... وهى أغلى عنده من خزائن الأرض....
السؤال الذى لم يجد له اجابة اذا لم تكن هى فمن تكون .... من هى التى قد تفهم هذا .....
لو لم تكن هى فان الأمور ستتعقد تماما بالنسبة له ... لا يستطيع أن يكمل مع احداهن ممن يكثرن قول عادى ....
وكذلك لا يستطيع أن يكمل مع احداهن ممن أبصرن شيئا وعمين عن كثير مما فى الحياة مما هو مباح صراح بسبب ضيق الأفق واتهام الآخرين بل واتهام الجماد والنبات بسوء الطوية ....
ماذا يصنع ... لا يعلم ... يلجأ الى الله ... يفعل ... وهو الملاذ والملجأ ... ولكن لا بد من الأخذ بالأسباب .....
سيظل ينتظرها ولو طالت ليالى الانتظار ولكن بعد الانتظار هل ستفسح قلبها وتسمع أم ماذا ....
يخشى أن يتغير ... ففى مجتمع الغرباء ... لا تدرى ما يحدث ... اليوم أو غدا .. هنا أو هنالك .....
لقد صرنا غرباء عن أنفسنا ... نتكلم سويا نعم ... نريد أن نقترب من الله نعم ... نريد الأفضل لنا ولمن حولنا نعم ...ولكن الدنيا أقدر منا على تغيير وجهاتنا .
لم تترك الذى أخلد الى الأرض واتبع هواه لصومعته ...
ولا الذى له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا يذهب مع أصحابه.....
هناك الكثير والكثير الذى يريد أن يحكيه لها .... عن لياليه الطويلة .... عن تاريخه الملىء بالعجائب والغرائب ...
عن عشقه للبحر وعشقه للنيل ...عن حبه للسفر.... عن عشقه لبعض المدن الساحلية دون غيرها.....عن شفقته وحنانه على أطفال أخته ....عن حكاياته المسلية ......
عن قيامه باحدى الليالى ليصلى ... فاذا باحداهن تقطع عليه صلاته مهاتفة ... هل هذا تليفون فلانة ؟؟.......
فيقول لو كان يوما أخر لعل الرد كان مختلفا ولكن الله يمن على من يشاء .........
فغيره يسهر مثل هذه الليالى فى مثل هذا الهراء ......
وهو على سوء عمله وقلة زاده يمن الله عليه فيدخل مثل هذا البيت .......
فقد أجمع العارفون أن التوفيق كل التوفيق ألا يكلك الله الى نفسك ... والخذلان كل الخذلان أن يكلك الله الى نفسك.
يريد أن يحكى لها الروايات التى يقرئها وتيخيلا أنهما أبطال الرواية ... والشعر الذى أحيانا يسمعه ويود لو ألقى بين يديها كل قصائد العاشقين ...
كيف يتمنى أن يلعب التنس ولكن اللعبة غير منتشرة.
عن هواياته التى منها الطبخ !!!! - فقد علمته الغربة الاعتماد على النفس - ...
أن يحكى لها عن أصحابه الكثيرين بكل مكان ينزله ....
أن يعلمها أنه انسان بكل ما تحمله الكلمة من معان .........
وأهم من أن يحكى أن يسمع فقد تعلم من أهل التنمية البشرية أنه أن تجعل الناس تصبر على سماعك فأنت ذكى ولكن أذكى منك وأكثر موهبة من يستطيع أن يسمع الناس ويشاركهم آمالهم وأحلامهم وأفراحهم وأطراحهم ......
فما بالك بسماعها هى وهى دون الناس فى كل شىء .....
يريد أن يسمعها تتكلم طوال الليل وحتى الصباح وكأنها شهرزاد ........ ليس المهم ما تقوله ولكن المهم أنه يسمعها فلكم انتظر سماعها .....
قد تعلم ايضا من أهل التنمية البشرية – وان كان الان لا يسمعهم زهدا فيهم لأنهم لديهم بعض الأخطاء والتى عانى بسسبها عدة شهور- أن الانسان يحب طوال الوقت أن يتكلم عن نفسه حتى اذا انتهى من الكلام قال لمحدثه لقد تكلمت كثيرا عن نفسى فلتتكلم أنت عنى بعض الوقت ..... عنى ثانية لا عن نفسك ...... وهذة قاعدة مهمة فى الكلام مع أى انسان ولا ينساها.......
ولكنه وجد أنها لا تصح فى حالة واحدة وهى حالة من نحبهم ويسعدنا أن نتحدث عنهم أكثر من أن نتحدث عن أنفسنا .......ولعل هذة هى الاية فى قوله تعالى (ومن اياته أن خلق لكم....)
طالما درس طرق التحليل للعمليات الهندسية ....وطرق التحليل الاحصائى والحسابى ولكنه يعلم أنه هناك شيئا لا يخضع لكل ذلك ألا وهى.......... المشاعر!!!!!!
قد تأتى من أول لقاء وقد تتأخر ولكنها حتما ستأتى خاصة أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منه اختلف ...
وساعتها لو سأل وهو يجلس مع علية القوم وكبرائهم من أحب الناس اليك لا يستحى من ذكر اسمها ولما لا وقد سأل خير الخلق من أحب الناس اليك قال عائشة.
واذا كانا معا فى مكان لا تصل اليه أعين الناظرين .. فيتسابقان ويضحكان ولما لا وقد فعله ايضا أفضل الخلق.
لا يستحى أن يطلب مشورتها فى أعاظم الأمور وكيف لا وقد أشارت أمنا أم المؤمنين أم سلمة على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بما يفعل فنفذ ما قالت وهو من يأتيه الوحى من السماء.
يريد أن يتخلص من همومه فى سماع همومها .....أن ينظر فى عينيها ويصمت لطالما صمت متضجرا ولكن اليوم سيكون الصمت أحلى من الكلام....يعلمها بعينيه أنه يريدها امرأة قوية- كما يقولون بألف رجل- وذلك فى المجتمع .... ولكنها تعلم أن قوة المرأة فى ضعفها وذلك له وحده ....... يريد أن يرى الشقاوة والدلع فى عينيها فهى تستحق منه أن يتحمل المشاق لتمن عليه بابتسامة من الثغر الباسم.
يريد أن ينظر فى عينيها ليقرأ ما فى أعماق قلبها ... القلب الذى لم يتلوث كقلبه ..... من آثام المجتمع ... الذى جعله طاهر البدن ولكنه آثم القلب ..... يبصر الأخطاء والخطايا .... ولكنه يعامل كأنه معصوم ... فلا يقترب ببدنه ولكن ليتمزق قلبه.
وهو فى كل ذلك يتسلى بانتظارها.
قد يبدو فى كلامه متحيرا أو لا يعلم أين الطريق .... ولكنه على العكس من ذلك يرى الوضوح كل الوضوح فى كل ما حوله...
ينجلى الصبح عن أمور كثيرة فلا يظهر بضوء الشمس شىء جديد.
تعلم الكثير والكثير من الدنيا وتكرار أحوالها وظن العابثين أنهم خارج قوانينها ولكنها تعبث بهم وهذا شأنها بكل عشاقها.
لكم كنت أتمنى أن تكون بناظرى الآن .... حتى نتخلص من هموم الحياة سويا..... ونبدأ أجمل صفحاتها .
وكم كنت أهوى أن أتأبطها وأدور بها فى العالمين لأخبرهم أن القمر صار يسعى فى الأرض على هيئة البشر ولم يختر غيرى ليسعى معه.
ولكم كان يؤنس قلبى لو أطلت بعيناها البريئتين على كلامى هذا علها تفهم منه كلمة واحدة ...فأشعر أن للانتظار قيمة.
معذورة هى..فان المجتمع غريب والثوابت تتغير من حولنا كل لحظة .... وقد وضعت لها المبررات مسبقا.
وأخيرا .. فاسأل الله العظيم أن يمن على عباده بالعلم النافع والعمل الصالح والزوجة الصالحة والزوج الصالح .
ولعلى عزاء الوحيد ما ذكره لى والدها –ولا شك أننا جميعنا نعلمه- ماكتبه الله لك ستراه........
فأمره سبحانه بين الكاف والنون.