عندما تصطدم رسائلك بأذن من طين وأذن من عجين
ماذا تصنع؟
بيتر بيرغمان
قبل أشهر قليلة التقى زميلي أليكس- استشاري التسويق- مع سام -رئيس قسم التسويق في شركة مواد طبية- كي يستكشفا إمكانية القيام بمشروع تعليم branding. كان اجتماعاً رائعاً –أو هكذا اعتقد أليكس-.
مرّ شهرٌ على الاجتماع، أرسل أليكس خلاله عدداً من الرسائل الصوتيّة والإيميلات ولم يجد رداً على أيٍّ منها. وهكذا بدأ صاحبنا يعيد ضرب أخماسه بأسداسه ويقيّم تصرّفاته منقّباً عن تلك الغلطة الخفيّة التي جعلته يخسر العمل مع سام.
العصفور يتسلّى والصيّاد يتقلّى؟
ليست هذه القصّة بغريبةً في دنيا الأعمال. إنّني أسمع نسخةً قريبةً منها في كل أسبوع تقريباً: يتصل أحدهم بآخر من أجل عملٍ أو مشروع ما ثمّ يبقى معلّقاً دون ردّ ويبدأ في تفسير ذلك الانقطاع تفسيراً سلبيّاً.
اتصلت بسام –الذي صادف أن كان أحد عملائي- وسألته عن الاجتماع فقال:
- كان اجتماعاً مثمراً. لقد أعجبني أليكس أيّما إعجاب، وهو المطلوب تماماً للمضيّ قدماً في مشروعنا"
ولمَ لم تجب على رسائل أليكس؟
- لم يحن الوقت بعد للاتصال به. لم تتوصّل شركتنا إلى الموافقة الماليّة بعد، وفور أن أحصل عليها سأتصل به"
يبدو ذلك تبريراً منطقياً. ليس لدى سام أي جديد يقوله لأليكس، ولا يستطيع أن يعرض عليه العمل، فلماذا يتصل به؟ ألسنا كلّنا مشغولين إلى درجة تجعلنا لا نجري اتصالاً هاتفياً ولا نرسل إيميلاً حتّى نحتاج إلى ذلك فعلاً؟
من ناحية أخرى ألا يبقي ذلك التعليق أليكس قلقاً حائراً وهو لا يعرف أيّ شيء؟
أليس عليه إرسال المتابعات وتنبيه سام وجعله يعرف أنّ أليكس ما يزال مهتمّاً بالأمر وينتظر جواباً؟
لا! العصفور لا يتسلّى ولكنّه يعجز عن إرضاء حشود الصيّادين!
من أجل استقصاء الموضوع من كل جوانبه وبعيونٍ مختلفة أرسلت إلى أخي -المنتج السينمائي الذي يتلقّى 400 إيميل كل يوم- أطلب رأيه. فقال:
"لو كنت أنا الذي أتلقّى من أليكس سلسلة الرسائل الملحّة كلّها على القضيّة ذاتها فإنّ أليكس لن يصل إلى شيءٍ سوى إزعاجي وتضييق صدري. إنّني أعرف كيف أدبّر أعمالي، وإذا كنت لا أردّ على أحد فإن الإلحاح عليّ ومطاردتي لن تفيده أبداً. ينبغي عليه أن ينتظر حتّى أكون جاهزاً للردّ، لا يمكنني أن أترك احتياجاته تتقدّم على احتياجاتي"
وعدت فكتبت لأخي –وكان الوقت ليلة عيد- : ولكن أليست مسألة الردّ هذه مسألة احترام؟
أما كان حرياً بسام أن يرسل لأليكس إيميلاً في نصف دقيقة يخبره فيه أنّه يعالج مسألة التمويل وسوف يتصل حالما تتوفّر لديه معلومات جديدة؟
وحالما شغّلت حاسوبي في الصباح وجدت الرد التالي من أخي:
لو كان لدى سام أربعمئة إيميل يوميّ، ومئتان من هذه الإيميلات هي إيميلات حرجة لا تحتمل التأجيل قام بترتيب أولوياتها ولم ينتهِ من الردّ عليها إلاّ مع آخر الليلة السابقة لعطلة العيد –مثلما أرد على رسالتك هذه- فهل ترى أنّ عليه مواصلة السهر إلى الصباح والرد في ثلاثين ثانيةً على كلٍ من مئتين أو ثلاثمئة إيميل إضافي لأناسٍ لا يحتاج إلى مراسلتهم؟! نعم ما زلت أقول إنّ على أليكس الانتظار.
هذا واقع حياتنا العمليّة هذه الأيام. نتلقّى كلّنا إيميلات تفوق طاقتنا على الردّ الفوريّ. وهكذا نقوم بفرزها إلى زمر، فنتعامل مع المهمّة والمستعجلة –أو الحرجة- منها. وبعد ذلك عندما تتاح لنا فسحةٌ من الوقت –في طريق السفر ربما، أو في يوم العطلة- ترانا نتابع التعامل مع الإيميلات الأقل حرجاً.
شدّ شعرك ونومك على الشجرة لن يجعل العصفور يظهر
ضع له الطعم وابحث عن عصافيرك التالية
لقد كنتُ في موقع أليكس وحصل معي ما حصل معه مرّاتٍ كثيرة وارتكبت غلطة ملاحقة الشخص الذي لا يردّ بوابلٍ من الإيميلات. ولكن مع تمعّني في رسالة أخي الأخيرة أدركت ما يلي: لم يكن لأيٍ من تلك المتابعات المتكرّرة أيّ أثر. من لا يريد أو لا يستطيع أن يردّ عليّ لن يردّ عند رسالتي الثانية كما لن يفعل ذلك عند رسالتي العاشرة. وفي كثير من الأحيان تمكّنت من جعل المتأخرين يردّون عليّ، ولكنّني لم أتمكّن –ولا مرةّ واحدة- من التعاقد معهم.
لو كانوا يريدون التعامل معي لعادوا إلى الاتصال بي دون حاجةٍ إلى أن أذكّرهم أو أستعجلهم. وملاحقتهم برسالة صوتيّة أو بإيميل كل بضعة أيام لن تظهرني ماهراً في المتابعة بقدر ما تظهرني لحوحاً دبقاً شديد الحاجة إلى الآخرين.
نعود الآن إلى صاحبنا أليكس. في تلك الحالة –حيث لم توجد بعدُ بينه وبين سام علاقة عمل- ماذا ترى عليه أن يفعل؟
أمامه حلّان:
1- يمكنه أن يصعّد حراجة رسالته –أهميّتها واستعجالها- فيقول لسام شيئاً مثل: هناك مشروعٌ آخر معروض أمامي ولا بدّ من أن اتخذ قراراً قبل نهاية الأسبوع القادم، ممّا يعني أن على سام الردّ بسرعة وإلاّ فإنّه يخاطر بفقدان التعامل مع أليكس. ويجدر بنا هنا الحرص على الصدق وعدم التظاهر بالحراجة تظاهراً وإلاّ فإنّنا نزجّ أنفسنا في مجازفاتٍ شديدة الخطورة تهدّد مصداقيّتنا على نطاقٍ واسع مديد.
2- أن يسلّم بعدم أهميّة واستعجال رسالته –على الأقل من وجهة نظر المرسل إليه- وأن يتقبّل حقيقة أنّه لن يردّ إلاّ في الوقت الذي يناسبه، أو لن يردّ أبداً.
وبعد تحليل الموقف وتقرير التوجّه الصحيح في التعامل مع موضوع متابعة الرسائل واستحثاث الرد، نأتي إلى عامل مهمٍ جداً:
تحكّم بمشاعرك:
كيف ذلك؟ بعد انتهاء الاجتماع ومضي فترة الانتظار الملائمة أو المتفق عليها تابع الموضوع مرّة واحدة وحسب. وبمجرّد أن تضغط على زر "إرسال" (بمجرّد أن تضغط زر الإرسال أو تضع سمّاعة الهاتف من يدك وليس بعد أسبوع!) افترض أنّ من تخاطبهم وتسعى إلى إنشاء علاقة العمل معهم لم يعودوا مهتمّين بالأمر. تصوّر أنّ من تنتظر ردّهم قالوا "لا"، اقلب الصفحة ودع ذهنك صافياً واتجه إلى البند التالي على لائحة مهمّاتك.
إن اتصلوا بك ثانيةً أو ردّوا على إيميلك فأهلاً وسهلاً بتلك المفاجأة السارّة ويمكنك عندئذٍ مناقشة كيفيّة المتابعة. وإن لم يصدر عنهم أيّ خبر فأنت في برّ الأمان واشكر ربّك على أنّك لم تؤخّر أعمالك الأخرى بسببهم ولم تكن تطرق جبهتك بقبضتك أو بالجدار غيظاً ولم تبدّد طاقتك في التوتّر والتذمّر.
جدير بالانتباه هنا هو أنّ امتناع أحدهم عن الردّ على رسائلك بشأن المسألة الحاضرة المعلّقة بينكما لا يقتضي أبداً توقّفك عن التواصل معه بشأن أمورٍ أخرى. فذلك يبقى مفيداً ومعمّقاً للعلاقة. تابع في كل الشؤون ولكن لا تتابع أبداً في الشأن المعلّق الذي قمت بما عليك فيه.
مهلاً مهلاً! إن من يتابعون كتاباتي قد يقولون لي: ألست أنت من تكتب عن أهمية المثابرة وعدم إذعانك لأي إجابة رفض؟!
أجل ذلك صحيح، ما أزال متمسّكاً بأهمية الإصرار في كثير من المواقف: مثل تعلّم مهارة جديدة، أو إعادة ترتيب اجتماعاتٍ ملغاة مع طرفٍ لديه الرغبة في الاجتماع مجدّداً. ولكن في بعض الأحيان –ومنها حالة الإيميلات أو الرسائل الصوتيّة التي لا يُردّ عليها- فإنّ الصبر، وقلب صفحة المسألة، وتقبّل العيش مع الغموض تصبح أكثر أهميةً.
في النهاية لا ريب أنّك تتساءل عزيزي القارئ: كيف انتهت القصة؟ وهل حصل أليكس على عقد العمل أخيراً؟
صدّقني لا أعرف! لقد أرسلتُ إيميلاً لأليكس قبل أيام ولم أتلقّ منه شيئاً حتّى الآن.