الابداع و الاداره

الإبداع والإدارة

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.

بين يديكم العدد الستون لمجلتكم، "عالم الإبداع"، وما الإبداع سوى التغيير والتجديد، ولم نكن في يوم في حاجة إلى التغيير كمثل حاجتنا له اليوم، في ظل عالم كثير المتغيرات، وعظيم التطورات، ولقد تخلفنا عن ركب الأمم بمراحل عديدة، حتى غدونا نُسمى بعالم ثالث أو رابع، وصنّفنا آخرون بما يشتهون في مستويات متدنية، ووصمَنا آخرون بصفات تنمّ عن التخلف والتردي.

ولسنا كذلك حقاً، بل نحن كنا سادة الدنيا ومعلمو الناس، وكانت حضارتنا يتحدث بها الشرق والغرب، وتاريخنا الزاخر ينضّر جبين العرب والمسلمين جميعاً، ولكننا اليوم بحاجة لإعادة هذا المجد، وبحاجة لركوب سفينة الحضارة، واللحاق بقطار التقدم والرقي في كل أشكاله وأنواعه، ومن ذلك التقدم الفكري، ولما كان علم الإدارة أحد الجوانب الهامة في حضارات الأمم، كان لزاماً علينا أن نقدمه لأمتنا على شكل يليق بمجتمعاتنا الكريمة، وما فيها من تقاليد موروثة سامية، ومبادئ قيّمة راقية، وإن كان الغرب قد سبقنا في هذا الفن، إلا أننا يجب أن نبتدأ بما انتهى به الآخرون، ونصوغ ونطوّع هذا العلم، ليصب في قالبنا، ويصطبغ بهويتنا.

ومجلتكم تسعى جاهدة لتقديم علم الإدارة للمثقف العربي، وللباحث والموظف والعامل، والطالب والأم والشباب، وجميع فئات المجتمع دون تفريق، إدراكاً منا بأن هذا العلم لا يجب أن يبقى مخزون الكتب، وحبيس عقول المفكرين المختصين، ونحن ندرك أيضاً أن هذا العمل لا يخرج عن نطاق الدعوة الإسلامية التي أمرنا الله بها، بل هو يصبّ في بحرها الواسع، وهو يردف جميع الجهود المبذولة للارتقاء بالمجتمع العربي إلى مصاف الأمم الكبيرة، وعلم الإدارة هو المنظم والمحرّك الباعث على هذا التقدم، وبدونه تختلط الأوراق، وتعمّ الفوضى، وتتبعثر الأفكار.

ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به جماهير أمتنا العظيمة، وأن يجعله جسراً نعبر عليه إلى مطامحنا المنشودة، وأهدافنا السامية، والله من وراء القصد.